تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  وأما العقل فمن وجوه:
  أحدها: أنكم جعلتم أساس مذهبكم هذا كون الباري تعالى هو الخالق لأفعال العباد، وأنه لا يقبح منه قبيح لو فعله، وقد أبطلنا هذين الأساسين في الاستعاذة والفاتحة، وفي مواضع أُخَر من كتابنا هذا.
  الثاني: أنه لو كلفهم مع خلقه للضلال فيهم، ومنعهم منه للزم قبائح كثيرة، كتكليف ما لا يطاق، وفعله للجهل فيهم، وعدم الفائدة في إنزال الكتب. وبعثة الرسل، إلى غير ذلك من اللوازم الفاسدة، وقد تقدم كثير منها في الثالثة من مسائل الاستعاذة وغيرها.
  وأما النقل فلأن الله تعالى قد ذم إبليس، ومن سلك مسلكه في إضلال الناس، وشَنَّع على من لا يؤمن ولم يتذكر، فقال: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٢٠}[الإنشقاق]، {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩}[المدثر] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه لا مانع لهم من الإيمان البتة، وأنهم إنما ضلوا بسوء اختيارهم، وبسبب انقيادهم لمن حذرهم الله منهم، من شياطين الإنس والجن؛ فكيف يتوهم عاقل مع ذلك أن يكون الله تعالى هو الخالق للضلال فيهم، والمانع لهم من الإيمان؟! وما أحسن ما قاله إمامنا الهادي يحيى بن الحسين # في بعض كتبه، حيث قال: كيف يغوي خلقه ويضلهم ولا يرشدهم ثم يعذبهم على فعله؟! إذاً لكان لهم ظالماً، وعليهم متعدياً، وهو مع ذلك يعيب على من فعل مثل هذا الفعل؛ إذ يقولِ ø: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ١١٢}[النساء] وبعث إليهم الرسول،