تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  ووجب الإتيان به، وإلا انقلب خبر الله تعالى كذباً، وعلمه جهلاً، وكل ذلك محال، فالمفضي إليه يجب أن يكون محالاً، فيجب أن يكون ضلال العبد ثابتاً واجباً، وهذا عين الجبر الذي تفرون منه.
  والجواب عن الأول: بأنه قد ثبت ما ذكرناه عن العدول من أئمة العترة وحفاظ اللغة، ومن علم حجة على من لم يعلم، وقد اعترف الرازي بأنه مستعمل(١)؛ لأن الرجل إذا قال لآخر: فلان ضال، جاز أن يقول: لم جعلته ضالاً؟ أي لم سميته وحكمت به عليه.
  والجواب عن الثاني: يؤخذ من الرابعة من مسائل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ}[البقرة: ٦].
  الوجه الثاني: أن إسناد الإضلال إلى الله تعالى إسناد إلى السبب البعيد، وهو يتخرج على وجهين:
  أحدهما: أنه لما ضرب المثل، فازداد به المؤمنون إيماناً إلى إيمانهم، وازداد به قوم ضلالاً إلى ضلالهم كان سبباً في الإضلال والهداية، فصح نسبته إلى الله تعالى من هذه الجهة، وهذا اختيار الزمخشري، والنيسابوري وهو من الخصوم، وهو معنى مشهور في اللغة، وقد تقدم ذكره في الفاتحة، وشواهده كثيرة في القرآن وغيره، قال تعالى في الأصنام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}[إبراهيم: ٣٦] أي ضِلِ بها كثير، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ ...} إلى قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ١٢٤ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}[التوبة: ١٢٥ - ١٢٤] فأضاف زيادة الإيمان والكفر إلى السورة؛
(١) أي: في الحكم والتسمية.