تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  لأن الصلاح والفساد يحصلان عند نزولها، ويقال: أمرضني الحب، أي مرضت بسببه، وأفسدت فلانة فلانًا. وهي لم تعلم به، وقال الشاعر:
  دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
  أي يغري الملوم باللوم، والمراد أنه يكون سبباً فيه.
  وعن مالك بن دينار | أنه دخل على محبوس قد أخذ بمال عليه وقيد فقال: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من القيود، فرفع مالك رأسه، فرأى سلة، فقال: لمن هذه السلة؟ فقال: لي، فأمر بها تنزل، فإذا دجاج وأخبصة، فقال مالك: هذه وضعت القيود على رجلك، فأسند وضع القيود إلى السلة لما كانت سبباً فيه. فكذلك يجوز أن يضاف الإضلال إلى الله تعالى، على معنى أن الضُلاَلَ ضلوا بسبب إنزاله الآيات المشتملة على الامتحانات.
  ثانيهما: أن الله تعالى لما خلق الإنسان على هيئة وجبلة يألف معها ما اعتاده من خير أو شر صح أن ينسب إليه سبحانه الإضلال من هذا الوجه، وهذا ذكره الراغب، وقد مرَّ في الفاتحة.
  واعترض الرازي هذا الوجه - أعني نسبة الإضلال إلى الله تعالى من حيث أنه فعل السبب - فقال: هذه المتشابهات إما أن يكون لها أثر في تحريك الدواعي أو لا، إن كان لها أثر وجب على أصلكم أن تقبح؛ لأنها إذا أثرت في ترجيح المعصية وجب وقوع المعصية؛ لما مرَّ في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}[البقرة: ٧] من أنه إذا حصل الرجحان فلا بد