مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2503 - الجزء 4

  في سورة آل عمران، ولا شكَّ أن أصل التكليف حسن كما مرَّ في الفاتحة وغيرها، فكذلك الزيادة فيه، وإذا⁣(⁣١) حسن من الله تعالى إبقاء إبليس - لعنه الله - وتمكينه من إغواء العباد وإضلالهم، فإن أراد بإزاحة العلة أن لا يكون له داعٍ إلى المعصية، فذلك باطلٍ لما مر في الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧] وغيرها. من أن شرط التكليف زوال الإلجاء، وأن يكون المكلف متردد الدواعي بين الطاعة والمعصية؛ لتحصل المشقة التي لا يتم التكليف من دونها. وأما العلة فقد أزاحها الله تعالى بما ركب في العبد من العقل الوافر، وما أنزله من الكتب، وأرسله من الرسل، مع خلق القدرة على ما كلفه به، وتمكينه منه، وهذا واضح والحمد لله.

  الوجه الثالث: أن يكون المراد بإضلال الله إياهم هو خذلانهم، وترك اللطف والتوفيق لهم يلما علمه من تماديهم في الطغيان، وانهماكهم في العصيان. وهذا حكاه الناصر عن بعض أهل النظر. كما مرَّ في الفاتحة، وهو بيِّن واضح في اللغة؛ ومن شواهده قوله:

  أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغرٍ

  ويقال لمن ترك سيفه في الأرض الندية حتى فسد وصدي: أنت أفسدته وأصديته.

  واعترضه الرازي بأن هذا إنما يسمى إضلالاً إذا كان الأولى والأحسن المنع، فلا يقال للوالد: إنه أضل ولده، إذا ترك معاهدته


(١) هكذا في الأصل، ولعلها (ولذا) والله أعلم.