مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2504 - الجزء 4

  بالتأديب، إلا إذا كان الأحسن بالوالد أن يمنعه من ذلك، وذلك حيث لم يحصل من المنع مفسدة من الولد أعظم من المفسدة الأولى، فأما إن كان يحصل ذلك فلا يقول أحد: إنه أضله، وأفسده بالتخلية وعدم المنع، وهاهنا لو منع الله تعالى المكلف جبراً عن هذه المفسدة لزمت مفسدة أعظم من الأولى. وهي التكليف مع عدم شرطه المتقدم قَريباً، فكيف يقال: إِنه أضله وأفسده بمعني أنه ما منعه.

  والجواب: أنا لم نقل: إنه أضله بمعنى أنه ما منعه قسراً وجبراً، وإنما قلنا: إنه أضله بمعنى أنه خلاه وشأنه، فلم يمده بلطف ولا توفيق؛ لعلمه بعدم التطافه مع كونه متمكناً من فعل الطاعة واختيارها، وترك المعصية واجتنابها، فلا تلزم المفسدة المذكورة؛ وإنما هذا الاعتراض مبني على القول بالجبر، وحينئذٍ فيصح أن يقال: إن الله تعالى أضلَّ أهل الضلال، بمعنى أنه تركهم وضلالهم ولم يمنعهم منه، ولا محذور فيه.

  وأما قوله: إنه لا يقال ذلك إلا إذا كان الأحسن المنع - فغير مسلم، بل لا يقال ذلك إلا لمن كان قادراً على المنع، والله تعالى قادر على المنع من المعاصي، لكن منعت حكمته جل وعلا من الجبر والإلجاء.

  الوجه الرابع: أن تكون نسبة الإضلال إلى الله تعالى على جهة الحقيقة، ويكون ذلك منه تعالى جزاءً لهم على أفعالهم الخبيثة، وقبائحهم العظيمة. وهذا قول القاسم بن إبراهيم فيما رواه عنه في (البدر الساري)، ونصَّ عليه الإمام أحمد بن سليمان في الحقائق، واختاره السيد محمد بن إبرهيم الوزير، وقال: من عجائب أهل التأويل