مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2506 - الجزء 4

  عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ٧٤}⁣[يونس] وفي آية أخرى: {عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ١٠١}⁣[الأعراف] {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}⁣[النساء: ١٥٥] وفيها رد قولهم: إن قلوبنا غلف من أصل الخلقة، والحكم بأنها إنما صارت كذلك بسبب كفرهم، وأنهم استحقوا الطبع عليها عقوبة، إلى غير ذلك من الآيات الدالة بظواهرها على أن الختم والطبع والإضلال إنما كانت جزاء على المعاصي وعقوبة لمرتكبيها، وذلك لا يكون إلا بعد أن يبين الله طرق الهداية ويدلهم عليها، ويدعوهم إليها كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}⁣[التوبة: ١١٥]، وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}⁣[الأنفال: ٥٣] فنص على أنه لا يسلبهم النعمة، ويبدلهم منها النقمة والعقوبة، إلا بعد تغييرهم ما بأنفسهم، وهو عدم الشكر، وامتثال أوامره والترك لمناهيه؛ ولا شكَّ أن الهداية للإيمان من أعظم النعم، بدليل قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}⁣[الحجرات: ١٧]؛ فإذا كان عادة الله التغيير على العصاة بسلب النعمة وإبدالها بالعقاب والنقم جاز أن يعاقب من لا يقبل الهداية بسلبها عنه، وإضلاله عن الحق، والطبع والختم على قلبه. والقول بأن الإضلال يكون عقوبة رواه في (البدر الساري) عن الهادي، إلا أنه جعله عبارة عن الخذلان والبراءة منهم، وأما الضلال فهو فعلهم، ونحوه في (الجامع الكافي) عن أحمد بن عيسى، ومحمد بن منصور - أعني أنهما فسرا إضلال الله تعالى لعباده بالخذلان لمن علم منه المعصية