تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  وإيثار الهوى، وقد تقدم بعض كلمات أحمد في الاستعاذة، ولعل كلام القاسم والإمام أحمد بن سليمان يعود إلى هذا.
  والمراد بالخذلان ترك الهداية التي بمعنى اللطف، والزيادة في تنوير القلوب، وشرح الصدور كما ذلك مفهوم من متفرقات كلماتهم وقد مرَّ بعضها في الفاتحة.
  وأما الهداية التي بمعنى الدلالة فلا يجوز خلو المكلف عنها؛ إذ لا يصح التكليف من دونها.
  وقد حمل بعض العدلية الإضلال في الآية على العذاب والعقوبة كما هنا، إلا أنه لم يحمله على الإضلال في الدنيا، ولا على الخذلان، بل على عذاب الآخرة وعقابها، واحتج عليه بقوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ٧١ ...} إلى قوله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ٧٤}[غافر].
  واعترضه القفال وقال: لا نسلم أن الضلال والإضلال قد يكونان بمعنى العذاب، وأجاب عما يستدل به أصحابنا على استعمالهما فيذلك من قوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ٤٧}[القمر] وقوله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ٧٤}[غافر] بأنه لا يجوز في الآية الأولى أن يكون معناها في ضلال عن الحق في الدنيا، وسعر في الآخرة، أي في جهنم، ويكون قوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ}[القمر: ٤٨] من صلة سعر، وأما الآية الأخرى فيحتمل أن يراد بإضلال الله إياهم إبطال أعمالهم وإحباطها في الآخرة، ويحتمل أن يراد به خذلانهم في الدنيا؛ لإعراضهم عن الحق، فإذا خذلهم جاءوا يوم القيامة وقد بطلت أعمالهم.