تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  قالوا: وهذا في الحقيقة ليس بتأويل، بل حمل اللفظ على ظاهره؛ لأن الله تعالى لم يبين ما يضلهم عنه، فحملناه على هذا لعدم المانع منه، ولا ملجئ إلى غيره من المجازات والتأويلات البعيدة.
  قال الرازي: ثم حملوا ما في القرآن على هذا، واحتجوا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ٤}[الحج] أي يضله عن الجنة وثوابها بدليل آخر الآية.
  واعترضه الرازي بأنه قال: (يضل به)، أي باستماع الآيات، والإضلال عن طريق الجنة ليس بسبب استماع الآيات، بل بسبب الإقدام على القبائح.
  والجواب: أن استماع الآيات مع ردها من القبائح، على أن رد الضمير إلى استماع الآيات غير مسلم، بل هو راجع إلى المثل، وجهلهم بحسن مورده؛ لتقصيرهم في النظر، وعنادهم من أعظم القبائح.
  الوجه الثاني: أن لا تكون الهمزة للتعدية، بل للوجدان، فيكون المعنى: إن الله تعالى وجدهم ضالين.
  واعترضه الرازي بأن مجيئ الهمزة للوجدان غير ثابت في اللغة، وأن الهمزة لا تفيد إلا التعدية، وتأول قول عمرو بن معدي كرب لبني سليم: (قاتلناكم فَمَا أَجْبَنَّاكُمْ، وهاجيناكم فما أفحمناكم، وسألناكم فما أبخلناكم)، على أن المراد فما أثر قتالنا في صيرورتكم جبناء، وهكذا البواقي، وليس المراد فما وجدناكم جبناء، وقال: إن هذا أولى؛ دفعاً للاشتراك، ولو سلم فالمعدَّي بالباء لا يكون بمعني الوجدان.