مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2510 - الجزء 4

  والجواب: أنه قد نص على مجيئ الهمزة للوجدان مشاهير من أئمة العربية، ولم ينقلوا في ذلك خلافاً، وهم القدوة في نقل اللغة.

  وأما تأويله لقول عمرو بن معدي كرب فتعسف بلا موجب.

  وأما قوله: إن المعدَّى بالباء لا يكون بمعنى الوجدان، فالباء فيه ليست للتعدية، وإنما هي باء السببية، ومفعول الفعل (كثيراً). وكان الأولى في الاعتراض أن يقال: الجملة كالجواب لقولهم: ماذا، ولا يستقيم أن تكون الهمزة للوجدان مع جعل الجملة جوابا؛ إذ لا يصح أن يقال لمن قال: ما ذا أردت بسفرك؟ أردت وجدت زيداً محموداً.

  الوجه الثالث: أن يكون قوله: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}⁣[البقرة: ٢٦] من كلام الكفار، قالوه على سبيل التهكم فأجاب الله عليهم بقوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٢٦}⁣[البقرة].

  واعترضه الرازي وغيره بأن فيه تفكيك النظم، حيث يكون أول الكلام من كلام الكفار وآخره من كلام الله تعالى، لا سيما مع اتصال الكلامين بحرف العطف؛ ولو احتمله المقام فهو غير مخلص من نسبة الإضلال إلى الله؛ لأنه قد نسب إليه في قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٢٦} وفي قوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ}⁣[فاطر: ٨] فلا حاجة لتكلف مثل هذا التأويل في هذا الموضع؛ مع أن الخصم لو سلمه لم تنقطع حجته؛ لتمسكه بما هو أصرح منه في الدلالة على مذهبه، فعليك بالتأمل لما مرَّ من هذه التأويلات، ففيها غنية عن بعض التكلفات، مع أنها شاملة لكل شبهة يوردها الخصم، وبعضها أقوى من بعض، كما لا يخفى على الفطن.