تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  معانيها؛ إذ لا مخصص لمعنى دون آخر، ولا مانع من إرادة جميع المعاني، وحينئذٍ فلا وجه يوجب الحمل على إرادة المعنى الصحيح، فتعين قبح الإطلاق؛ للإيهام المذكور.
  قيل: أما أبو هاشم فلا يرد عليه هذا؛ لأنه يمنع صحة إرادة المعنيين جميعاً، وإذا امتنعت إرادتهما صار اللفظ مجملاً لا يحصل بسببه إيهام، وأما غيره فهم وإن صححوا ذلك فهم يشترطون عدم المانع من إرادة أحد المعنيين، والمطلق للعبارة إما جبري، أو عدلي، أو ملتبس الحال؛ إذا كان جبرياً فلا تهمة في حقه؛ لظهور إرادة المعنى الفاسد، فلا يصح منه الإطلاق لما يلحقه من التهمة؛ لأنه مجاهر بالخطأ. وإن كان عدلياً فالواجب حمله على السلامة، وذلك يمنع من حمل اللفظة على معنييها؛ سلمنا أنه غير مانع، فالمعلوم أنه لا يحمل عليها إلا مع عدم القرينة الصارفة لأحدهما، وهاهنا القرينة كونه عدلياً. وإن كان ملتبس الحال في العدل والجبر فلا يحسن حمل اللفظة على المعنيين معاً، فنحمله على الجبر مع احتمال كونه عدلياً، وأنه قصد المعنى الصحيح، والتهمة لا تكون إلا عن أمارة مرجحة، ومجرد احتمال اللفظ للخطأ لا يكون مرجحاً لكونه أراده، إلا لو لم يحتمل سواه، وأما هنا فقد احتمل المعنى الصحيح، فلا موجب للتهمة، وغاية الأمر وجوب التوقف في أمره، وبهذه الوجوه يثبت أنه لا يقبح إطلاق الألفاظ الموهمة في الباري تعالى، إلا ممن يقصد المعاني الفاسدة منها.
  فإن قيل: هذا مخالف لإجماع العدلية كما مرَّ في حكاية النجري عنهم.