تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث
  فلا يجتمعان في حق شخص واحد لاستحالة أن يكون ممدوحاً مذموماً في حالة واحدة.
  فإن قيل: لا مانع من ذلك مع اختلاف الجهة، فيكون ممدوحاً لإيمانه، مذموماً لفسقه، كمن أحسن إلى شخص وأساء إليه، فإنه يستحق شكر إِحسانه، وذم إِساءته.
  قيلٍ: إنما يتم هذا لو كان الإيمان هو التصديق فقط، وقد أبطلناه فيما مرَّ، فلا إيمان حتى يستحق عليه المدح؛ وأما القياس الذي استندوا إليه فقد مرَّ جوابه في الخامسة من مسائل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة: ٢٥].
  قال الإمام المهدي: ويوضح ما ذكرناه من تنافي لفظ المؤمن والفاسق قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ١٨}[السجدة] فأوضح سبحانه أن بين الوصفين تنافياً، فلا يصح اجتماعهما لشخص واحد؛ إذ لو صح لم يصدق نفي تساويهما؛ إذ لقائل أن يقول: إذا كان الفاسق هو المؤمن فهما مستويان، وهذا واضح كما ترى.
  واحتجوا على أنه لا يسمى كافراً بأن للكفر حقيقتين: لغوية واصطلاحية كما مرَّ في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ...} الآية [البقرة: ٦]، فإما أن يقال: إن الفاسق يسمى كافراً بالنظر إلى المعنى اللغوي، أو بالنظر إلى المعنى الاصطلاحي، وبأيهما يقال فهو باطل؛ أما الأول فلأن الفاسق يسمى فاسقاً وإن لم يغطّ شيئاً، ولو أريد بالفسق الكفر اللغوي لم يسم فاسقاً إلا من غطى شيئاً؛