مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2546 - الجزء 4

  اللعين الرجيم لم يكن كفره بجحد لربه منه، ولا عدل به سواه، وإنما كفره وجحده من طريق ترك طاعته، وأمره إياه بالسجود، واستكباره على آدم لأجل ربه؛ إذ قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ١٢}⁣[الأعراف] فكل عاص لربه كافر كإبليس، وإن أكثر الناس الآن ليأتون من الاستكبار الذي كفر الله به إبليس، وأخرجه به من الجنة ولعنه - بأكثر مما جاء به إبليس، لا يرون عليهم في ذلك شيئاً، ولا يعظم لديهم، فيقول أحدهم للآخر: تكلمني وتساويني في المجلس والقول وأنا ابن فلان القائد، وابن فلان الملك الجبار المعاند، وابن فلان الموسر الغني، وأنت ابن فلان الفقير المسكين، وابن فلان المؤمن الصانع بيده المكتسب بيديه، وما أشبه ذلك، ولا تراهم يفخرون بأنه كان نبياً، ولا ورعاً، ولا براً، ولا تقياً، ولا مؤمناً رضياً زكياً، ولا بأنهم في أنفسهم صالحون، ولربهم مرضون مطيعون، ولمعاصيه مجتنبون، ومنها حذرون، وهذا أكبر من استكبار الشيطان أو مثله.

  قلت: ويشهد لما ذكره # قول أمير المؤمنين بعد أن ذكر ما فعل الله تعالى بإبليس اللعين لتكبره ومخالفته ما أمره الله به، وذلك قوله: (فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يدرى أمن سني الدنيا أممن سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة؛ فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته، كلاَّ. ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، إن حكمه في أهل السماء والأرض لواحد،