مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مث

صفحة 2556 - الجزء 4

  وأجيب بأن الحمل على القدر المشترك إنما يكون أولى إذا لم يقم دليل على أحدهما، وهنا قد قام الدليل على أحدهما كما مرَّ؛ إذ لو لم يقيد بذلك لأدى إلى ارتفاع المجاز والاشتراك لإمكان حمل كل لفظ يطلق لمعنيين على أنه موضوع للقدر المشترك بينهما، على أن القول بالاشتراك المعنوي مما يخالف الإجماع على أنه حقيقة في القول المخصوص بخصوصه، لا باعتبار أنه ما صدق عليه الموضوع له.

  احتج القائلون بأنه مشترك بين القول والفعل بقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ٩٧}⁣[هود] أي فعله؛ إذ القول لا يوصف بالرشد، بل بالسداد، والأصل في الإطلاق الحقيقة، وكذلك قوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ}⁣[القمر: ٥٠].

  وأجيب بأن الأمر في الأولى إما بمعنى القول، والمعنى أنهم امتثلوا أمر فرعون، وما أمره الذي أمر به برشيد، فأراد الصيغة، ولا نسلم أن القول لا يوصف بالرشد، وإما بمعنى الشأن، وإما بمعنى الفعل فمجاز لقيام المانع⁣(⁣١) من حمله على الحقيقة، لكن حمله على الشأن أولى؛ لأنه أشمل من الفعل. وأما الآية الثانية فهو فيها بمعنى الشأن؛ إذ لو أريد الفعل لزم اتحاد أفعاله تعالى وحدوثها دفعة كلمح البصر، وهو باطل؛ لأنه يصير المعنى: وما فعلنا إلا فعلة واحدة، أو دفعة واحدة كلمح، ويكون المراد من الفعل الأفعال كلها؛ لأن اسم الجنس المضاف للعموم. وفي هذا الجواب نظر؛ لأنه يلزم مثله في الشأن، وقد قال تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ٢٩}⁣[الرحمن]، والأولى أن يقال: هذا


(١) وهو عدم اطراده. تمت مؤلف.