تفسير قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم 29}
  إذا قال: اقتلوا المشركين إلا بعضهم، ولم يرد منه خطاب سوى ذلك، فإنه يمكننا الامتثال، ويتعين البعض الذي أريد قتله بإخراج المكلف، ويصير الباقي معلوماً بعد هذا وكأنه قال: اقتلوا بعضاً وخلوا سبيل بعض، ويكون المراد أنا لا نستأصلهم بالقتل.
  قال #: فترك بيان البعض من الحكيم بيان ودلالة على أن ما أخرجه المكلف هو المراد؛ لأنه لو لم يكن مراداً لبينه.
  قال #: ويمكن إيراد هذا الجواب بلفظ آخر، فيقال: العموم قد يخرج منه بعض مجهول، ويعلم المراد بظاهره على سبيل التعيين، فيصح الاستدلال به، وقد يخرج منه بعض مجهول ولا يعلم المراد من ظاهره على هذا الحد، فلا يصح الاستدلال به.
  قلت: وذلك نحو قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}[المائدة: ١].
  احتج أبو عبد الله البصري بأن التخصيص إذا لم يخرج العموم من بقاء حكم الاسم كان الظاهر سليماً، فيصح التعلق به نحو: اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة، فإنا لا نقتل ما عدا أهل الذمة إلا لكونهم مشركين، فالتخصيص من تعلق الحكم وهو القتل باسم الشرك وإن أخرجه من بقاء حكم الاسم لم يسلم الظاهر، فلا يصح التعلق به نحو قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨] فإنا لا نقطع أحداً لمجرد كونه سرق بعد ورود الشرع باعتبار كونه سرق قدراً مخصوصا من موضع مخصوص؛ إذ قد تغير حكم الظاهر، ومنع التخصيص من تعليق الحكم على اسم السرقة.