مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة السادسة [الأصل في الأشياء]

صفحة 2720 - الجزء 5

تنبيه [دلالة الآية على أن الأصل في الحيوانات الإباحة]

  وما ذكرناه من أن العقل يقضي بأن الأصل في الحيوانات الإباحة قد أشار إليه المقبلي في المنار، وهو الذي تقضي به العمومات السابقة، فإن الظاهر من سياق قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}⁣[البقرة: ٢٩] إرادة الامتنان عليهم، وتذكيرهم بما هو متقرر في عقولهم، من أنه المنعم عليهم بتلك النعم، وتوبيخهم على كفرهم باللَّه وهو الذي أنعم عليهم بهذه النعمة، ولم يرد بها بيان الحكم فيما في الأرض أولا وبالذات، وإن كانت قد تضمنت ذلك، لكن من حيث التقرير والتأكيد لما هو مقرر في عقولهم، وقد ذكر بعض جهابذة التفسير معنى هذا، فقال: مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، وهو أنه لما ذكر أن من كان منشئاً لكم بعد العدم، ومفنياً لكم بعد الوجود، وموجداً لكم ثانية إما إلى جنة وإما إلى ناركان جديراً أن يعبد ولا يجحد، ويشكر ولا يكفر ثم أخذ يذكرهم عظيم إحسانه، وجزيل امتنانه، من خلق جميع ما في الأرض لهم، وعظيم قدرته، وتصرفه في العالم العلوي، وأن العالم العلوي والعالم السفلي بالنسبة إلى قدرته على السواء، وأنه عليم بكل شيء.

  وقال آخر: الصحيح في معنى قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ}⁣[البقرة: ٢٩] الاعتبار، يدل عليه ما قبله وما بعده، من نصب العبر الإحياء، والإماتة، والخلق، والاستواء إلى السماء، وتسويتها، أي الذي قدر على هذه لا تبعد منه القدرة على الإعادة، والمراد بالانتفاع المفهوم من قولكم هو الاعتبار، لا غير. وقال ابن العربي: وليس في الإخبار