الفصل الثالث: في ذكر شيء مما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة وعن بعض قدماء أهل البيت $ مما يوهم القول بالجبر وذكر تأويله أو إبطاله
  والمعونة والخذلان لا يوجبان الفعل ولا يمنعان الاختيار، فكان هؤلاء الأئمة $ يقولون: لا خالق إلا الله ونحوها من العبارات، وينصون على أن أفعال العباد مخلوقة لله لتلك الأدلة السابقة، وينسبون فعل العبد إلى الله تعالى لأجلها على الوجه السابق، وينسبونه إلى العبد حقيقة، وكل هذا مأخوذ من صريح كلامهم ليس فيه تعسف، ولا إخراج لكلامهم عن ظاهره، وقد عملوا فيه بظواهر القرآن وبراهين العقول، وهذه المسألة - أعني مسألة تسمية فعل العبد خلقاً وتسميته خالقاً - قد اختلف فيها المعتزلة، فقال أبو القاسم البلخي، وعباد الصيمري، والبغدادية: لا يجوز تسمية فعل العباد خلقاً ولا تسميتهم خالقين، بل لا يسمى خالقا إلا الله تعالى، ولا يسمى خلقاً إلا فعله تعالى؛ لأن الخلق هو الاختراع، فكما لا يسمى أحدنا مخترعاً ولا يسمى فعله اختراعاً، فكذا لا يسمى خالقاً ولا يسمى فعله خلقاً؛ لأن الاختراع مختص بالله تعالى، وقال أكثر المعتزلة: بل يجوز لأن الخلق هو الفعل المقدر(١) على حسب الغرض والداعي، ولو كان كما زعم الأولون لم يصح وصف غير الله تعالى به، وقد قال تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}[المؤمنون]، وقال: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ}[المائدة: ١١٠].
  قال (النجري): وليس الخلاف إلا بالنظر إلى أصل اللغة ومقتضى وضعها، وأما بالنظر إلى الشرع فذكر جماعة من أصحابنا أنه ممتنع اتفاقاً فلا يوصف بأنه خالق، أو بأنه يخلق، أو بأن فعله خلق إلا الله تعالى، ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ}[النحل: ١٧] فنفى أن يكون غيره خالقاً، وممن نص على وقوع
(١) يعني أن الخلق هو التقدير. تمت مؤلف.