المسألة الحادية عشرة [دلالة الآية على مسألة أن الله عالم]
تنبيه: [في الدليل على العالمية هل هو الإحكام أم صحة الإحكام]
  قد عرفت مما مر أن الدليل على العالمية هو صحة الفعل المحكم، ودليل صحة الإحكام الوقوع؛ إذ الوقوع فرع الصحة، وهذا اختيار جماعة من أصحابنا - أعني أنهم جعلوا دليل العالمية صحة الإحكام - ولعلهم إنما عدلوا عن جعل الإحكام نفسه دليل العالمية لنحو ما مر في مسألة قادر من أن مجرد الوقوع لا يدل على كونه قادراً، وكذلك يقال: مجرد الإحكام لا يدل على كونه عالماً؛ لأنه قد يقع اتفاقياً، وأيضاً - إذا جعلنا دليل العالمية هو صحة الإحكام وفرضنا عدم وقوع الإحكام لم يلزم منه ثبوت الجهل وعدم العالمية؛ إذ لا يلزم من عدم الإحكام عدم صحة الإحكام، بخلاف ما إذا جعلنا الدليل نفس الإحكام فإنه يلزم من عدمه العدم، ومرادهم بالصحة هنا التي بمعنى الاختيار، كما مر في مسألة قادر.
  وظاهر احتجاج الإمام القاسم بن محمد في (الأساس) اختيار الاستدلال بنفس الإحكام، وهو الذي رجحه الدواري في (الغياصة) فإنه قال: الأولى في الاستدلال أن يقال: قد وقع الفعل المحكم من اللّه تعالى، فإما أن يقع على جهة الإيجاب، أو على جهة الاختيار، باطل وقوعه على جهة الإيجاب؛ لأنه يلزم منه حصول العالم دفعة، ولأنه يلزم من ذلك قدم العالم، فإذا بطل أن يكون وقوعه على جهة الإيجاب وجب أن يكون على جهة الاختيار.
  قلت: وهكذا يقال في الاستدلال على كونه قادراً، وما ذكره الأولون من أن مجرد الوقوع لا يدل على كونه قادراً ولا عالماً