المسألة الثانية في أقوال الناس في حد العلم
  ويفهم من كلام السيد حميدان فإنه قال: إنه أبين من أن يفسر واحتجوا بوجهين:
  أحدهما: أن كل أحد يعلم بالضرورة وجود نفسه، وهذا علم خاص، لتعليقه بمعلوم خاص، فالعلم جزء منه(١)؛ لأنه مطلق، والمطلق ذاتي للمقيد، والعلم بالجزء سابق على العلم بالكل، لتوقف حصول الكل على حصول جزئه ضرورة والسابق على الضروري أولى بأن يكون ضرورياً.
  وأجيب بأن الضروري إنما هو حصول العلم للعالم، وهو غير المتنازع فيه، فإن المتنازع فيه هو حد العلم وتصوره، ونحن لا ننكر حصول العلم ووجوده للعالم ضرورة، لكن لا يلزم من حصوله العلم بحقيقته؛ إذ حصوله ليس نفس تصوره. ولا مستلزما لتصوره بدليل أنها تحصل لنا علوم جزئية بمعلومات مخصوصة، ولا نتصور أشياء من تلك العلوم مع كونها حاصلة لنا، بل نحتاج في تصورها إلى توجه مستأنف إليها، فلا يكون حصولها نفس تصورها ولا مستلزماً له، وإذا لم يكن العلم الجزئي متصوراً فلا يلزم تصور العلم المطلق أصلا، فضلاً عن أن يكون تصوره ضرورياً، ولو سلم أن الحصول هو التصور أو مستلزماً له فإنما يتم إذا كان العلم ذاتياً لما تحته، وكان شيء من أفراده متصوراً بالكنه بديهية، وهما ممنوعان، أما الأول فلأنه ليس بمجزوم به لتعسر الاطلاع على الذاتيات في أكثر الأشياء، وأما الثاني فلأن التصديق بأنه موجود لا يستدعي تصور بعض أفراد العلم
(١) أي من هذا العلم الخاص؛ لأن العلم من حيث هو مطلق. تمت مؤلف.