تفسير قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين 31 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العلي
  حصول المعنى في النفس ثم قال: إن اللّه تعالى قال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة: ١٥٢] وهذا الأمر إن توجه على العبد حال نسيانه فهو غافل فكيف يكلف مع النسيان، وإن كان حال ذكره فالذكر حاصل، وتحصيل الحاصل محال فكيف يكلف به، قال وهذا الإشكال وارد على قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد ١٩] إلا أن هذا في التصديقات فلا يقوى فيه الإشكال وذلك في التصورات فيقوى فيه.
  قلت: وهذا الإشكال يعرف جوابه مما مر، وقد أجاب عنه الرازي وقارب الإنصاف لولا دسيسة في آخره، وذلك أنه قال: إنا نجد من أنفسنا أنه يمكننا التذكر، فما ذكرته تشكيك في ضروري فلا يستحق جواباً، إلا أنا لا نعرف كيف نتذكر، لكن العلم الجملي بالتمكن منه كاف، وعجزك عن إدراك تلك الكيفية يكفيك في علمك بأن ذاك ليس منك، ثم ذكر أن عجزنا عن إدراك ماهية التذكر مع أنه صفة لنا دليل على عجزنا عن إدراك كنه المذكور وهو اللّه تعالى، والدسيسة المشار إليها هي قوله: وعجزك عن إدراك تلك الكيفية ... إلخ فإنه جعل ذلك العجز دليلاً على الجبر وأن ذلك الطلب ليس منا.
  وجوابه: أن هذا يناقض قوله أولاً: إنه يمكننا التذكر وجعل ذلك ضرورياً؛ لأنه إذا كان كذلك فكل فعل يوصف بالتمكن منه ثم يقع منا على حسب دواعينا وقصودنا ويقف على اختيارنا فلا يصح وصفنا بالعجز عنه؛ إذ لو كنا عاجزين عنه لم يكن كذلك، والتذكر من هذا القبيل باعترافه.