مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين 31 قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العلي

صفحة 2862 - الجزء 5

  لكنه يقال: قد ثبت بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ}⁣[البقرة ٣١] أنها توقيفية، وإذا كان لا طريق إليها إلا خلق العلم الضروري، وقد بطل أن يكون ذلك للمكلف، ولا وجه يقدر إلا أحد الأمرين تعين أحدهما بطريق السبر والتقسيم وهذا دليل واضح، فيقال: قد ثبت أن اللغات توقيفية فلا تخلو إما أن يكون العلم بها ضرورياً أو لا، الثاني باطل لعدم المشاهدة والمشافهة للباري تعالى، والإشارة ممتنعة كما مر والأول إما أن يخلق ذلك العلم للمكلف أو لا، الأول باطل لما مر فتعين الثاني. وأما الاستبعاد فلا وجه له مع ما ذكرنا.

  والجواب عن الحجة الثانية: أن الآية إنما تدل على سبق اللغات والأوضاع، ولا توقف له⁣(⁣١) على الإرسال، وإنما يتوقف على الوحي باللغات والأوضاع إلى آدم قبل إرساله إلى القوم فيكون هناك وحي باللغات، ولا إرسال له إلى قوم لعدمهم ثم بعد وجودهم وتعلمهم منه #، وتفرق اللغات فيهم أرسل إلى كل قوم بلسانهم، فلا يلزم الدور. واللّه أعلم.

  احتج أبو علي والأسفراييني بأنه لو لم يكن القدر المحتاج إليه في الاصطلاح توقيفيا لزم الدور؛ لتوقف الاصطلاح على سبق معرفة ذلك القدر، والمفروض أنه يعرف بالاصطلاح فيلزم توقفه على اصطلاح سابق يتوقف على معرفته، وهو الدور، أو متوقف على اصطلاح سابق وهو على آخر إلى ما لا نهاية له فيلزم التسلسل.

  وأجيب بأنا لا نسلم توقفه علي اصطلاح، بل يعرف بالترديد


(١) أي السمع. تمت مؤلف.