مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}

صفحة 2887 - الجزء 5

  ولا ريب أن المبرأ عن ارتكاب القبائح بأسرها أفضل من المرتكب لبعضها، واعترض بأنا لا نسلم براءتهم من الشهوة؛ إذ لو كانوا كذلك لما صح تكليفهم، والقول بأن لهم شهوة هو قول العدلية، حكاه عنهم الإمام المهدي # قال: ولا نعلم كيفيتها، وقيل: في النظر والرائحة والسماع قال # وأكثر الناس على أن لا شهوة لهم، وأجاب بما مر⁣(⁣١).

  وقال الرازي: لا شهوة لهم إلى الأكل والشرب، بل شهوة التقدم والترفع بدليل قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ...} الآية [البقرة ٣٠]، وفيه نظر؛ إذ لا تدل الآية على أنهم سألوا لبقاء الرئاسة لهم، وإنما سألوا عن وجه الحكمة في خلق من يقع منه الفساد، كما مر.

  وأما الغضب فلا دليل على نفيه عنهم، بل الظاهر وقوعه منهم على من عصى اللّه تعالى والمنفي عنهم إنما هو الغضب الممقوت، لعصمتهم؛ ولقائل أن يقول: إنا وإن سلمنا أن لهم غضباً وشهوة فهو لا يقدح في تفضيلهم على البشر؛ لأن البشر يشاركونهم في الشهوة والغضب الجائزين عليهم ويختصون بشهوات أخر كشهوة البطن والفرج والغضب على من لا يستحق، والمعلوم أن من كانت دواعي القبيح في حقه أقل كان من فعل القبيح أبعد، ومن الوجوه العقلية: أنهم سباقون إلى فعل الخيرات بخلاف البشر والسابق أفضل بإجماع العقلاء؛ ولقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ١٠ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ١١}⁣[الواقعة].

  ومنها: أن أعمالهم المستوجبة للثواب أكثر لطول زمانهم،


(١) يعني قوله: وإلا لما صح تكليفهم. تمت مؤلف.