مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}

صفحة 2890 - الجزء 5

  احتج القائلون بتفضيل الأنبياء على الملائكة $ بالعقل والنقل، أما العقل فمن وجهين:

  أحدهما: أن الإنسان ركب تركيباً بين الملك الذي له عقل بلا شهوة، وبين البهائم التي لها شهوات بلا عقل، فبعقله له حظ من الملائكة، وبشهوته له حظ من البهائم، فإن غلبت شهوته فهو من البهائم، بل أضل لقوله تعالى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}⁣[الأعراف: ١٧٩] ولذلك استوجب النار، دونها وإن غلب عقله كان من الملائكة، وإذا كان عند غلبة الشهوة دون البهائم وجب بطريق قياس أحد الجانبين على الآخر أن يكون عند غلبة العقل أفضل من (البهائم)⁣(⁣١).

  ثانيهما: أن للبشر عوائق عن العبادة من شهوة، وغضب، ووسوسة، وحاجاتهم الشاغلة، ومع ذلك إن تكاليفهم مستنبطة بالاجتهاد والبحث، وطاعة الملك ليس لها موانع وصوارف، وتكاليفهم منصوص عليها لا مستنبطة بالاجتهاد، وهذا يوجب أنطاعة البشر أشق، فيكون أفضل لقوله - ÷: «أفضل الأعمال أحمزها» أي أشقها، ويكون صاحبها أكثر ثواباً وهذان الوجهان يصلحان حجة لمن يقول بتفضيل غير الأنبياء من البشر.

  والجواب عن الوجه الأول: أنا لا نسلم أن الملك لا شهوة له كما مر، سلمنا فالقياس ممنوع؛ إذ لا يلزم من كونه أدنى من البهائم عند غلبة الشهوة أن يكون أفضل من الملائكة عند غلبة العقل، والقياس لا يصح من دون علة جامعة.


(١) من الملائكة (ظ).