تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  لأنهما صفتان للفعل متقابلتان(١) بالقلة والكثرة، والموصوف بالصفات المتقابلة المنوعة لا دلالة له على شيء منها.
  والجواب: أن قولكم: فلا يفيد إلا طلب مطلق الفعل مصادرة؛ إذ مبناه على القطع بأن مدلول الصيغة طلب حقيقة الفعل من غير تقييد بفور أو تراخ، وهذا نفس مذهبكم، والخصم يدَّعي أنها للحقيقة المقيدة، لا يقال: قد دللنا على ذلك بقولنا: والفور والتراخي ... إلخ؛ لأنا نقول: ذلك إنما يفيد دلالة المصدر(٢) المشتق منه صيغة الأمر على الحقيقة فقط ولا يفيد عدم الدلالة عليها بالصيغة، وجائز أن تفيد الصيغة ما لا يفيده مصدرها ورد بمنع إفادة الصيغة ما لا يفيدها مصدرها؛ لأن قولك: أطلب مثلاً، مختصر من: أطلب منك ضرباً مقصوداً به الإنشاء، ولا دلالة للمصدر على غير الماهية، فكذلك ما هو مختصر من هذه الجملة المشتملة على ذلك المصدر، وحاصله: أنه وضع لطلب الفعل صيغتان اضرب وافعل ضرباً، ولا شك أن المختصر والمطول سواء في إفادة المعنى فالفور والتراخي خارجان عن مدلولي اللفظ، سواء أتي فيه بلفظ المصدر أم بالصيغة الدالة عليه.
  احتج الجويني على أنه للفور شرعاً بأنه أحوط من التأخير، لإجماع من يعتد به على حصول الامتثال بتعجيله وليس كذلك إيقاعه فيما بعد؛ إذ لا يؤمن معه الضرر.
(١) يعني قولهم: لعدم الاختصاص بوقت دون وقت؛ إذ هو المتنازع فيه. تمت مؤلف.
(٢) لأن المراد بالفعل في قولهم: هما صفتان للفعل المصدر؛ إذ الفعل الاصطلاحي لا يوصف. تمت مؤلف.