مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}

صفحة 2908 - الجزء 5

  وإنما يتحقق الخلاف بين القائلين بالوقف، فذهب الأكثر منهم إلى أن المبادر ممتثل قطعاً، لحصول الفعل منه، فيخرج عن العهدة. كما يخرج عنها من فعل الموسع عند من يقول: إن الوجوب يتعلق بأوله، وعند من قال: يتعلق بآخره، وحكي عنهم أن المؤخر⁣(⁣١) لا يقطع بخروجه عن العهدة، وقال الأقل منهم بالوقف في المبادر والمؤخر في أنه هل هو ممتثل أم لا لاحتمال إرادة الشارع التأخير فلا يجزي التقديم، أو التقديم فلا يجزي التأخير، وهؤلاء يسمون غلاة الواقفية، والأولون مقتصدوهم.

  قيل: وهذا سرف عظيم في الوقف وقد نسبوا إلى خرق إجماع السلف والخلف، لإجماعهم قبل حدوث هذا المخالف على استحقاق الثناء بالمسارعة، كما ورد به الشرع في قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}⁣[المؤمنون: ٦١] ونحوها.

  واعلم أن ما حكيناه من نسبة الخلاف إلى الواقفية في طرفي التقديم والتأخير هو الذي ذكره في (الفصول)، وأما في غيرها فالظاهر أن الخلاف بينهم إنما هو في التعجيل، فإن الغلاة منهم توقفوا في القطع بكون المبادر ممتثلاً؛ لجواز أن يكون غرض الأمر في التأخير.

  قال ابن الصباغ: وقائل هذا لا يجوز فعله على الفور، لكنه خالف الإجماع، وقال الغزالي في (المستصفى): أما المبادر فممتثل مطلقاً، ومنهم من غلا فقال: يتوقف في المبادرة وقد طابق حكاية (الفصول) ما ذكره الصفي الهندي في نهايته فإنه قال: أما الغلاة فهم الذين


(١) أي الذي لم يبادر. تمت مؤلف.