تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  للسماء والأرض لما كان اسماً جامداً، فإن عدلوا عن الظاهر وتأولوا معناها فليسوا بالتأويل بأولى منا، ثم ذكر أنها للعاقبة كما مر، ورجح على تأويلهم بموافقته لدليل العقل، ومحكم النقل.
  وأما قوله في السؤال: لا سيما إذا كان عالماً أنه لا يستحق إلا الآلام.
  فإن أراد بذلك آلام الدنيا فقد تقدم طرف من الكلام على حسنها في قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ٣}[الفاتحة]، وإن أراد ألم العقاب في الآخرة فليس كل الخلق يستحقونه، فكيف نقول: إنه لا يستحق بخلقه إلا الآلام، فإن أراد الجنس الصادق بالبعض فقد مر بيان حسن العقاب في الثالثة عشرة من مسائل قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...} الآية [البقرة: ٧].
  واعلم أن النيسابوري في حكايته لهذه الأسئلة قصر السؤال الأول على طلب الحكمة في خلق إبليس لعنه الله تعالى - فقال: الأول: أنه قد علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني فَلِمَ خلقني؟ وما الحكمة في خلقه إياي؟
  وجوابه: أن الحكمة في خلقك أيها اللعين هي الحكمة في خلق غيرك، وقد عرفتها، فهو متفضل عليك بذلك، ومحسن إليك بخلقه إياك؛ إذ خلقك حياً تنتفع كالإنسان، وإنما أتيت من جهة نفسك.
  وأما علمه بما يصدر منك فلا يمنع كون خلقه إياك إحساناً؛ إذ العلم لا يحسن حسناً ولا يقبح قبيحاً كما مر عن القاسم بن إبراهيم في السابعة من مسائل الحمد لله.