تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين 34}
  الخير والعبادة، لكنه لما اختار الضلالة على الهدى سمي شراً، بمعنى أنه فاعل للشر كما يقال للرجل الكثير فعل الشر: ما أنت إلا شر في شر.
  فهذا جواب هذه الأسئلة وهي كما ترى أجوبة جلية واضحة، وبها يتبين بطلان قول الرازي ومجازفته في قوله: إنه لو اجتمع الأولون والآخرون ورجعوا إلى العقل لم يجدوا جواباً، بل يقال: لو اجتمع الأولون والآخرون ولم يرجعوا إلى حكم العقل بالتحسين والتقبيح لم يجدوا عنها جواباً، ولهذا فإن الرازي وأصحابه لما نفوا حكم العقل ولم يرجعوا إليه لم يجدوا لها جواباً، ولم يعرفوا منها خطأ ولا صواباً، بل سلموها مذعنين، وانقادوا لها طائعين، وإن لزم منها ما لزم من نسبة أفعال الله تعالى إلى العبث والظلم وسائر القبائح.
  وأما حكايتهم عن الله تعالى أنه أوحى إلى إبليس: أنك ما عرفتني ... إلخ، فلا نسلم صحتها لما مر في الثامنة من مسائل هذه الآية - من أن إبليس كان عالماً بالله تعالى وعارفاً به، وقد مر عن الناصر # في التاسعة من مسائل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} الآية [البقرة: ٢٦]، أن إبليس كان عالماً بالله، وأن كفره إنما كان بمخالفة الأمر والاستكبار، وأيضاً ما مر من أنه كان من الملائكة، وأنه كان من أعلمهم وأكرمهم يدفع صحة هذه الحكاية.
  واعلم أن بعض أصحابنا قد ذكر هذه الأسئلة، وأشار إلى أن المجبرة هم الذين حرروها، لكنهم جعلوها على لسان إبليس؛ لأنه أقرب إلى التلبيس، قال: ولا شك أنه أستاذهم الذي أخذوا علمهم عنه.