تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}
  وقال القرافي: حملة الشرع يطلقون العصمة على عدم المعصية في الجملة، ومنه قولهم في الدعاء: نسألك من العصمة تمامها، وعلى عصمة الأنبياء والملائكة $ من الكفر دون سائر البشر، مع أن الله تعالى قد أثنى على الخلق بدوام الإيمان، فلا بد من تفسير عصمة الأنبياء بغير عدم الكفر، ومنع الله منه ليصح قولنا ليس أحد منا معصوماً، ولو كنا غير كافرين بل مساوين للأنبياء في ذلك(١)، فتميزهم إنما هو بإعلام الله لنا أنه صانهم في قضائه وقدره عن الكفر، وقدر لهم السعادة الأبدية حتماً مقضياً، فهذا الإعلام الرباني هو عصمة الملائكة والأنبياء $ ومجموع الأمة دون كل واحد منهم.
  وقيل: العصمة: بنية مخصوصة ركبهم الله عليها، فهم لمكانها ينفرون عن المعاصي، ويرتاحون إلى الطاعات. وهذا قول الإمامية.
  قيل: المهدي واختاره من أصحابنا الإمام يحيى، والذي في معياره خلافه، وهو أنها من قبيل الألطاف، وقريب من هذا الحد ما ذكره في (المواقف) ونسبه إلى قوم ولم يعينهم، وهو أنها خاصية في نفس الشخص أو في بدنه يمتنع بسببها صدور الذنب عنه، قال في الحاشية: والفرق بين الخاصية وبين الملكة أن الملكة مكسوبة للعبد، ولا تمنع قدرة العبد، بخلاف الخاصية وقد أبطل في (المواقف) وشرحه هذا القول، فقال يكذبه: أنه لو كان صدور الذنب ممتنعاً لما استحق المدح بترك الذنب؛ إذ لا مدح ولا ثواب بترك ما هو ممتنع؛ لأنه ليس داخلا تحت الاختيار، وأيضا، فالإجماع منعقد على أن الأنبياء مكلفون بترك
(١) أي في عدم الكفر. تمت مؤلف.