مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}

صفحة 3019 - الجزء 5

  إذا عرفت هذا فنقول: الصور المحكية عن الأنبياء $ لم تقع منهم إلا على وجه لو وقعت من غيرهم لم تكن فسقاً، كما سنبين ذلك في موضعه إن شاء الله، ولا نتكلم هنا إلا على قصة آدم # فنقول:

  أما من جوز عليهم ارتكاب الكبائر قبل البعثة فقالوا: إنما يتم استدلالكم بالقصة لو ثبت أنه ارتكب هذا الذنب حال النبوة وهو ممنوع؛ إذ لم يكن اجتباؤه للنبوة إلا بعد هذه القصة، بدليل قوله تعالى: {فَغَوَى ١٢١ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ}⁣[طه: ١٢١ - ١٢٢].

  قلت: وفيه نظر فإنه قد كان أوحي إليه قبل دخول الجنة، كما قال تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}⁣[البقرة: ٣٥] لا يقال: الوحي لا يستلزم النبوة بدليل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}⁣[القصص: ٧]؛ إذ لا تتصور نبوتها؛ لأنا نقول: المتبادر فيما ورد في حق آدم # هو استماع الكلام في اليقظة. وهو المسمى بالوحي الظاهر والمتلو، ولم يثبت ذلك لغير الأنبياء.

  وأما إلقاء المعنى في الروع في اليقظة أو إسماع الكلام في المنام فهو يقال له: وحي وإيحاء في اللغة، لكنه غير مختص بالأنبياء، والواجب حمل ما جاء في جانبهم على ما هو اللائق بجنابهم، لا يقال: كيف يكون نبياً ولا أمة له؛ لأنا نقول: هو مرسل إلى حواء، وإلى من وجد بعدها؛ إذ لا يجب في المرسل إليهم أن يكونوا موجودين في ابتداء الإرسال، على أنه لا مانع من أن يكون مرسلا إلى نفسه فقط، وإذا بطل حمل القصة على وقوع الذنب منه قبل البعثة تعين بيان التأويل الذي يخرج به هذا الذنب عن كونه كبيرة، وذلك يعلم بالجواب