مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}

صفحة 3021 - الجزء 5

  قد كان أدخل في روع آدم # أن الله سبحانه لم ينههما عن أكل الشجرة لكونها مفسدة، بل لأن أكلها يستحق من جهته الخلد وقاسمهما إنه لهما لمن الناصحين.

  قال #: وأما إخبار الله لهما أنهما يصيران بذلك من الظالمين فلعلهما نسيا ذلك عند الإقدام وسهوا عن النظر في كلام إبليس، وما تقدم إليهما من العهد، وقد صرح الله بذلك بقوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ ...} الآية [طه: ١١٥]، والكبيرة إذا وقعت نسياناً لم تكن معصية كمن نسي طلاق امرأته فوطئها، لا يقال: لو كانا ناسيين لم تكن معصية؛ إذ لا ذنب على الناسي وقد قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ١٢١}⁣[طه] لأنا نقول: لم ندع أنه نسي النهي، بل أقدم وهو يعلمه فهو عاص، وإنما نسي النظر في وجه النهي هل للقبح والمفسدة، أو لأمر آخر فلا إشكال في معصيته لإقدامه على ما يعلم أنه منهي عنه، وأن الإقدام على المنهي عنه قبيح، لكن إذا لم يكن النهي عنده للقبح لم يكن المعصية في الفحش كما لو أقدم مع معرفة وجه القبح وعظم العقاب. وحاصل كلامه # أن النسيان كان للنظر، لا للنهي.

  الوجه الثالث: أنه أقدم على الأكل بسبب اجتهاد أخطأ فيه، وذلك لا يقتضي كبر المعصية، وهذا مروي عن أكثر المعتزلة، وبيان الخطأ أن لفظ هذا قد يشار به إلى الشخص نحو هذا الرجل، وهذه المرأة، وقد يشار به إلى النوع كما في قوله ÷ وقد أخذ حريراً وذهباً: «هذان حلال لإناث أمتي حرام على ذكورهم» فإنه أراد النوع، وعلى هذا فآدم ظن أن الإشارة مراد بها الشخص،