مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}

صفحة 3026 - الجزء 5

  احتج الأولون بأن المعصية إذا لم تؤثر في الشك بما يؤدونه ولا في التنفير عن قبول ما جاءوا به فلا مانع من جوازها عليهم؛ إذ لم يقم دليل على امتناع شيء من المعاصي غير هذين النوعين⁣(⁣١) فما عداهما داخل في حيز الجواز.

  قال الإمام أحمد بن سليمان: اعلم أنه لا يقال إن النبي ÷ معصوم عن جميع المذمومات والمعاصي؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن له ثواب في لزمه لنفسه عن المحرمات، ولما كان محموداً في ترك اتباع الشهوات، ولما كان يوسف # في لزمه لنفسه عن امرأة العزيز محموداً ومثاباً، وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}⁣[يوسف: ٢٤] فصح أنه لزم نفسه لا عن عصمة، ولا نقول: إن الله عصمه، بل نقول: إن الأنبياء $ المخيرون ممكنون كغيرهم من الآدميين، بل إنهم أقوى على أنفسهم، وعلى لزمها من المحرمات لما شاهدوا من الدلائل والمعجزات، والرسالة من الله لهم والآيات. قال #: وقد يمكن أن يصرف الله عنهم بالتوفيق والتسديد كثيراً من المحظورات كما حكى الله تعالى عن يوسف # {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ...} الآية [يوسف: ٣٣].

  قلت: كلام الإمام # هنا مبني على أن المراد بالعصمة المنع من المعصية على جهة الإلجاء والقسر، وليس كذلك، فإن العصمة من قبيل الألطاف، وهي لا تمنع الاختيار، كما مر في غير هذا الموضع.


(١) يعني ما يؤثر في الشك أو في التنفير. تمت مؤلف.