مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الأولى [عصمة الأنبياء]

صفحة 3029 - الجزء 5

  وهو قول أبي هاشم، ورواه في (الأساس) عنه وفي (المواقف) عن الجمهور، واحتجوا بما علم من إقدام آدم على المعصية بعد تحذيره منها ونهيه عنها، وإعلامه بكونها ظلماً، وأيضاً إقدامهم على الفعل لا يخلو عن تعمد ارتكاب القبيح؛ لأنهم إن أقدموا عليه مع العلم بكونه معصية فهذا ضريح التعمد، وإن أقدموا عليه مع الإخلال بالنظر في أنه هل هو معصية أم لا فقد تعمدوا الإقدام على ما لا يؤمن قبحه، والإقدام على ذلك قبيح، فلا بد في الإقدام من تعمد ما يكون قبيحاً.

  وأجابوا عما احتج به الأولون بأنا لا نسلم الدلالة على الجرأة إلا فيما يعلم أنه يستحق عليه العقاب، فأما مع مع أمن العقاب والثقة بالثواب فلا جرأة، ثم إن الإقدام مع الخوف والوجل لا يقتضي جرأة المقدم في كل حال، وإنما يقتضيها لو أقدم غير مكترث ولا خائف. ورد بأنهم إن تعمدوها غير عالمين بأنها صغائر فلا يشك أن تعمدها حينئذ يكون جرأة؛ إذ هو إقدام على ما لا يؤمن كونه كبيرة، والإقدام على ما هذه حاله جار مجرى الإقدام على الكبائر في التنفير عن قبول ما أتوا به، وإن بين لهم من بعد كونها صغائر؛ لأن الناس ينفرون عمن أقدم على ما لا يؤمن من كونه كبيرة، كما ينفرون عن مرتكب الكبيرة، وليس انكشاف الصغر إلا كالتوبة من الكبيرة، فكما أن التوبة لا ترفع النفرة من مرتكب الكبيرة فكذلك انكشاف الصغرة لا يرفع النفرة عمن أقدم على ما لا يؤمن كبره، وإذا كان الإقدام على هذا التقدير يؤدي إلى التنفير وجب الحكم ببطلانه، وعدم جوازه على الأنبياء $؛ لأنه يرجع على الغرض المقصود من بعثتهم بالنقض والإبطال.