مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين 36}

صفحة 3030 - الجزء 5

  قوله: ثم إن الإقدام مع الخوف والوجل ... إلخ.

  قلنا: هذا باطل؛ لأنهم إذا أقدموا مع علمهم بأنها معصية فهو عين الجرأة، سواء صحبها خوف أم لا، ثم إن الإقدام مع الخوف وإن كان بعد التعريف بصغرها كان التعريف إغراء⁣(⁣١) في حقهم الشدة رغبتهم في الطاعة فيكون علمهم بنقص ثوابهم كاف في الزجر؛ لأنا نقول: لا إذا عرفوا كونها معصية يكرهها الله، ثم عرفهم الله بأنه لا عقاب عليهم في ارتكابها فهو حقيقة الإغراء بفعلها.

  قالوا: العمد في حقهم صغير لكثرة ثوابهم الذي لا يستحقه غيرهم من البشر.

  قلنا: مصادم للنص، قوله تعالى: {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ٧٤ إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ...} الآية [الإسراء: ٧٥ - ٧٤]، فانظر كيف توعده على أنه لو مال إلى قومه يسيراً من الميل لأذاقه عذاب الآخرة وعذاب القبر، ولم يقل: إن ذلك مكفر في جنب ثوابه، وإنه صغيرة منه، فثبت أن إقدامهم على الصغائر لا يكون مع العمد.

  وإذا تقرر ذلك فقد اختلف القائلون بهذا القول في كيفية إقدامهم عليها، الإمام أحمد بن سليمان في كلامه في خطايا الأنبياء $: فأما في سائر أفعالهم في غير تبليغ الرسالة فإنه يجوز عليهم النسيان،


(١) قال في المنهاج: الجمهور على أن النبي إنما يعلم كون معصيته صغيرة بعد فعلها؛ إذ لو علمها قبل ذلك لكان في حكم المغرى بفعلها، قال: وهذا سديد عند من يقول: إنه يقدم عليها مع الخطأ أو مع السهو فتكون حالة العلم بكونها معصية هي حالة العلم بكونها صغيرة، فأما على أصل أبي هاشم فيصعب القول فيه، لأنه إذا جاز أن يقدم عليها مع العلم وقد علم أنه لا يفعل إلا صغيرا لزم أن يكون في حكم المغرى بفعلها لا محالة. تمت مؤلف.