مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3050 - الجزء 5

  قال بعض أصحابنا: وهو القوي، ومقتضى الآثار، ويؤيده قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ}⁣[التوبة: ١٠٢] والاعتراف بذلك يصحبه الندم، ولم يشترط العزم، ولا خلاف في أن الذكر للمعصية في المستقبل لابد أن يعزم على أن لا يعود لمثلها في المستقبل، وأنه لو لم يعزم على ذلك لم يصح كونه نادماً على الماضي؛ لأن الداعي إلى الندم داع إلى العزم والعكس، فمن ندم فهو عازم، ومن عزم فهو نادم؛ وليس ذلك عند من لا يعتبر العزم جزءا من حقيقة التوبة، ولا بشرط فيها، لكنه لابد منه من باب الداعي، وتظهر فائدة الخلاف فمن ندم على الماضي وكان ساهياً عن المستقبل، فمن لا يعتبر العزم يقول: توبته صحيحة، ومن يعتبره يقول: لا تصح.

  احتج المعتبرون له بأن التوبة نظير الاعتذار من الإساءة في الشاهد، لا تحادهما صورة، وإن اختلفا في التسمية، وفي أن المعتذر لا بد أن يظهر عذره بالقول: لخفاء ما في ضميره.

  سلمنا عدم اتحادهما في الصورة، فالتوبة مقيسة عليه، فكما أن المسيء لا يكون معتذراً ولا يسقط عنه الذم إلا إذا عزم على أن لا يعود إلى الإساءة، فكذلك التوبة، والجامع كون كل منهما بذل الجهد في التلافي، ودفع استحقاق الذم والعقاب، ويوضحه أن من اعتذر إلى غيره من قتل ولده وهو عازم على قتل ولده الآخر فإنه لا يكون معتذارً.

  وأجيب بأن مثل هذه الصورة من صور الاتفاق؛ إذ لا خلاف في أنه لا بد من العزم مع ذكر المستقبل، كما مر.