تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}
  وقال الغزالي: التوبة تتحقق من ثلاثة أمور مترتبة: علم، وحال، وعمل، والأول موجب للثاني، والثاني موجب للثالث، إيجاباً اقتضته سنة الله في الملك والملكوت، أما العلم فهو معرفة ما في الذنب من الضرر وفوت المنفعة(١)، فإذا عرف ذلك حصل له تألم القلب بسبب فوت المحبوب، فإذا كان فواته بفعل من جهته تأسف بسبب فوات المحبوب على الفعل الذي كان سبباً لذلك الفوات، فسمي ذلك التأسف ندماً، وهذا هو الحال، ثم ذلك الألم إذا تأكد حصلت منه إرادة جازمة ولها تعلق بالحال وبالمستقبل والماضي، أما تعلقها بالحال فبترك الذنب الذي قد ارتكبه، وأما بالمستقبل فالعزم على أن لا يعود إليه، وأما بالماضي فبتلافي الفائت بالجبر والقضاء إن كان قابلاً للقضاء، وهذا هو العمل، وحاصله أن العلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال، والتلافي للماضي ثلاثة معان مترتبة يطلق اسم التوبة على مجموعها، وكثيراً ما نطلق اسم التوبة على الندم وحده، ونجعل العلم كالمقدمة، والترك كالثمرة والتابع المتأخر، وبهذا الاعتبار قال ÷: «الندم توبة»؛ إذ لا ينفك الندم عن علم أوجبه وعن عزم يتبعه.
  قال الرازي: وهو كلام حسن، وقال القفال: لا بد من التوبة من ترك الذنب، والندم على ما سبق، والعزم على أن لا يعود إلى مثله، والإشفاق فيما بين ذلك كله.
  وأما اعتبار الثلاثة الأول فقد عرف مما مر، ودليل اعتبار الترك
(١) يعني ضرر العقاب وفوت منفعة الثواب ورحمة العزيز الوهاب. تمت مؤلف.