المسألة الثانية في التوبة
  فإن قيل: في ترك التوبة تفويت منفعة فتجب.
  قيل: المنافع لا يجب حفظها، كما لا يجب تحصيلها، وإن سمي ظالماً لنفسه بتفويتها. والتحقيق أن أبا علي يقول: إن الصغيرة لا تسقط شيئاً من الثواب؛ لأنه لا يقول بالموازنة، لكنه يقول بوجوب التوبة منها الوجوه:
  أحدها: أن عنده أن للتوبة ضداً وهو الإصرار؛ إذ لا يخلو من أن يكون نادماً أو مصراً، والإصرار قبيح فلزمته التوبة؛ لأنها ترك قبيح.
  والجواب: أنا لا نسلم أن لها ضداً.
  الثاني: أن في التوبة من الصغائر لطفاً؛ لأن المكلف معها يكون أقرب إلى تجنب المعصية، فتجب لذلك.
  والجواب: أن كونها لطفاً لا يعلم من جهة العقل، سلمنا فإنما يجب اللطف لجريه مجرى دفع الضرر ولا ضرر في الصغيرة، فلا يجب فعل ما يدعو إلى تركها.
  الثالث: أن فعل الصغيرة قبيح فلو لم تجب التوبة عنها لكان ذلك إغراء بالقبيح.
  والجواب: أنه لا إغراء مع العلم بقبحها، والذي يدل على وجوب التوبة عن الكبائر من جهة العقل أنها دفع ضرر عظيم، ودفع الضرر عن النفس واجب، وقد ذهب أبو الحسين إلى أن العلم بوجوب التوبة عن القبيح لقبحه معلوم ضرورة، وأما الذليل السمعي فهو معلوم ضرورة من الدين.