مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3076 - الجزء 5

  وإلا لزم أن لا تكون التوبة مسقطة لجميع عقابه، وهو خلاف المعلوم.

  قلنا: لا نسلم أن الانحباط عقاب، وإنما العقاب الألم الواقع على جهة الإهانة؛ بدليل أن سقوط الثواب قد يحصل في حق الأنبياء $ وهم لا يستحقون عقاباً.

  قالوا: من أساء إلى غيره بعد إحسان ثم اعتذر لم يكن كاعتذار من أساء إليه لا بعد إحسان، فلولا أن مدح الإحسان الأول يعود عند الاعتذار لما افترق الحال، كذلك الثواب عن التوبة.

  وأجيب بأن الفرق على أصل الجمهور هو أن المحسن قد استحق المدح بالإحسان في وقت ما وهو قبل وقوع الإساءة، فأما بعد وقوعها فقد سقط بما يقابله من الإساءة، وبقي الزائد يسقطه الاعتذار، فيكون حاصل الفرق أن اعتذار من لم يحسن أسقط ذماً كثيراً، واعتذار من تقدم إحسانه أسقط ذماً قليلاً، والوجه ظاهر، وهو أن من لم يحسن لم يسقط من إساءته التي هي السبب في استحقاق الذم شيء، فكان استحقاقه الذم باقياً على أصله لم يسقط شيء منه إلا بالاعتذار، فكان اعتذاره مسقطاً لذم كثير، بخلاف من قد تقدم منه إحسان فإنه لم يبق استحقاقه الذم على الإساءة كاملاً، بل على ما بقي بعد المقابلة، فلم يسقط اعتذاره إلا ما بقي من الذم، وهو قليل بالنسبة إلى كله.

  قالوا: يلزم استواء حال من أطاع الله ثم عصاه ثم تاب، وحال من لم يصدر منه إلا المعصية ثم التوبة.