مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3089 - الجزء 5

  بالاستطابة إزالة ما في النفس من العداوة والوحشة، ففعل ما لا يحصل معه ذلك كالعبث، إلا أن تكون إحدى الإساءتين أصغر من الأخرى، فاعتذر من الكبرى دون الصغرى لاعتقاده أنها لا تورث العداوة فإن مثل ذلك جائز عقلاً، نظيره التوبة من الكبائر دون الصغائر، فأما حيث استوت الإساءتان أو التي أصر عليها أغلظ فلا إشكال أن الإصرار ينقض الغرض بالاعتذار من الأخرى، وإذا بطل المقصود به كان كالعبث فيبطل في نفسه، وهكذا في التوبة من ذنب دون آخر مع عدم العلم بصغر ما أصر عليه لا فرق بينهما في وجه.

  واعترضه بعض المحققين بأن الفرق هو أن الوجه في وجوب التوبة إسقاط ضرر العقاب، لا استطابة نفس الغير، وإذا كان الوجه ما ذكر فيحصل الغرض المطلوب من التوبة من ذنب دون ذنب، وهو إسقاط ضرر عقابه، ثم إن الناس يعلمون بعقولهم صحة الاعتذار من إساءة دون إساءة.

  الوجه الرابع: عموم الآيات الواردة في التوبة، ولم يرد منها شيء يدل على صحة التوبة من ذنب دون ذنب، وذلك قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ٨٢}⁣[طه] فظاهرها عموم التوبة من كل ذنب.

  الوجه الخامس: أن ذلك قول أمير المؤمنين #، وهو حجة، وفي السنة النبوية ما يؤيد ذلك، وسيأتي للأحاديث الواردة في التوبة والاستغفار موضع غير هذا، وهي متضمنة للمطلوب، ومنها قوله ÷: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه».