مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3090 - الجزء 5

  قال القاضي عبد الله بن زيد العنسي: والخبر يدل على اشتراط كون التوبة من القبيح لقبحه، وعلى اشتراط عموم التوبة من كل ذنب لمن تأمله.

  احتج أبو علي بأن الندم من قبيح دون قبيح كالإتيان بواجب دون واجب، فكما أنه يصح الإتيان بواجب دون آخر، فكذلك تصح التوبة من قبيح دون قبيح؛ لأنه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذلك يجب عليه فعل الواجب لوجوبه، ولو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحة التوبة من قبيح دون آخر لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحة الإتيان بواجب دون واجب.

  والجواب: أنه لا يصح القياس، للفرق بين المقيس والمقيس عليه، فإن ترك القبيح لكونه نفياً لا يحصل إلا بترك جميع القبائح، بخلاف الإتيان بالواجب لكونه إثباتاً، فإنه يحصل بإتيان واجب دون واجب.

  قلت: وفي هذا الجواب نظر؛ لأن الكلام في الواجبات التي يصدر من الشارع الأمر بكل واحد منها على انفراده كالصلاة والصيام مثلاً لا في إفراد واجب أمر الشارع بالإتيان بواحد منها لا على التعيين، كإعتاق رقبة أي رقبة كانت، والظاهر أن الامتثال لا يحصل بإتيان واحد منها⁣(⁣١)، بل بإتيان الجميع كما في ترك القبيح من غير فرق، وقد جاء في السنة ما يدل على ذلك.

  قلت: فعلى هذا يقال في الجواب: لا نسلم الأصل، بل نقلب


(١) أي من التي أمر بكل واحد منها على انفراده. تمت مؤلف.