مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم 37}

صفحة 3091 - الجزء 5

  دليل أبي علي دليلاً عليه، فنقول: لا يصح الندم من ذنب دون ذنب؛ كما لا يصح الإتيان بواجب دون واجب.

  احتج ثانياً بأنه لا مانع من التوبة من ذنب دون آخر، كما لو فعل ذنباً وترك آخر، فكما أنه لا يعاقب على المتروك فكذلك لا يعاقب على ما تاب منه.

  والجواب: أن هذا القياس فاسد، لعدم الجامع، وتحقيقه أنه بفعله الذنب قد استحق العقاب عليه، ولا يسقط ذلك عنه إلا التوبة، وقد علم أنها نظير الاعتذار عن الإساءة التي يستحق عليها الذم، فكما أنه لا يسقط عنه الذم الاعتذار من إساءة دون أخرى كذلك لا يسقط عنه العقاب بالتوبة من قبيح دون آخر، وليس كذلك ما لم يفعله من الذنوب، فإنه لا يستحق عليه عقاباً، كما أن ما لم يفعله من الإساءة لا يستحق عليه ذماً، فكيف يصح قياس ما استحق عليه الذم والعقاب على ما لا يستحق عليه شيء من ذلك ابو الحاصل أن التوبة بدل عن استحقاق العقاب، والعقاب لا يسقط مع الإصرار على قبيح آخر، كما أن الذم على الإساءة لا يسقط مع الإصرار على أخرى؛ وهذا واضح، وبه يظهر أنه لا يصح قياس ما هو كالبدل على ما ليس كذلك⁣(⁣١).

  قالوا: لو لم تصح التوبة من ذنب دون ذنب لوجبت التوبة عن الحسن، والواجب، وبيانه أنه إذا أراد اليهودي أن يتوب عن الكبيرة


(١) يعني أن ترك الذنب بدل عن استحقاق العقاب. تمت مؤلف.