مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 38}

صفحة 3135 - الجزء 5

  وهي للمؤمن دار ثواب لا دار عقاب، وهذان الوجهان عقليان، وهما يعمان جميع أوقات الآخرة، من عند الموت إلى دخول الجنة فلا يفزع في قبره ولا في غيره؛ ويشملان أيضاً كل من لا يستحق عقاباً من الأنبياء، والملائكة، والمؤمنين، والأطفال، والبهائم، وصالحي الجن.

  فإن قيل: هذان الوجهان إنما يدلان على بطلان أن يكون الفزع والغم من الله، فيجوز أن يكون من المؤمن نفسه، بأن يظن ظنوناً فاسدة، لعظم ما يشاهده، فيغتم لذلك.

  قيل: العلوم كلها في الآخرة ضرورية، فالمؤمن لا بد أن يعلم ضرورة ذلك اليوم صدق ما وعده الله، ومع هذا لا سبيل إلى الظن.

  الوجه الثالث: أن ذلك هو الذي دلت عليه الأدلة السمعية الصريحة من الكتاب والسنة، ومنه هذه الآية، وهي عامة لجميع أحوالهم في الدنيا والآخرة؛ لكن خصص نفي الخوف والحزن بالآخرة؛ لأن قرائن الأحوال ومجاري الأمور تدل على ذلك، وهو ما علم من أن المؤمن قد يلحقه الخوف والحزن في الدنيا؛ ولذلك قال ÷: «خص البلاء بالأنبياء، ثم بالأولياء، ثم بالأمثل فالأمثل»، وفي كلام علي # في صفة المؤمن: (بشره في وجهه، وحزنه في قلبه⁣(⁣١)). ونحو ذلك، ويكفي في ثبوت ذلك الهم في الدنيا ما حكاه الله من قولهم عند دخول الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}⁣[فاطر: ٣٤].

  فإن قيل: قد روي عن المفسرين في معنى نفي الخوف والحزن أقوال


(١) رواه في النهج. تمت مؤلف.