المسألة الخامسة [دلالة الآية على أخذ العوض على الفتيا والقضاء]
  ونسبه إلى البخاري في [جامعه]، وأبي داود من حديث ذي الزوائد واسمه يعيش. ومعنى قوله: ما دام عطاء: ما دام الله، لا لغرض دنيوي فيه فساد دين الآخذ، ومعنى قوله: رشوة عن الدين: أن يعطي العطاء ويحمله على فعل ما لا يجوز. وهذه الأحاديث تدل على تحريم أخذ الرشوة؛ وقد عرفت مما ذكره في النهاية أنها ما أخذ على الباطل، وفي ذلك تفصيل وخلاف سيظهر من الكلام على أطراف المسألة.
واعلم أن الأحاديث قد تضمنت نهي المرتشي والراشي والرائش
  فأما المرتشي وهو الحاكم فمعنى الرشوة في حقه: أن يعطيه الراشي ليحكم له بحق أو باطل، وهذا لا إشكال في تحريمه على الحاكم، والظاهر أنه إجماع كما أطلقه في (البحر)؛ أما إعطاؤه ليحكم له بالباطل فظاهر، وأما لأجل الحكم بالحق فلأن المدفوع في مقابلة واجب، وذلك محرم أيضاً؛ وقد ألحق علماؤنا وغيرهم بذلك كل ما لا يتوصل به إلى نيل ما لا يستحق، أو إلى أذية مسلم، أو ظلم إنسان أو نحو ذلك(١)، وسواء كان الآخذ على هذه الأمور حاكماً أو غيره، وقد نص الأمير الحسين على عدم الفرق بين أن يكون الآخذ الحاكم، أو الشهود أو السلاطين، إذا أخذوا على باطل والوجه في إلحاق ما ذكر أن الرشوة هي كل مال دفع البتوصل به إلى باطل، وما ذكرنا في هذه الصور فهو من الباطل، فمن أخذ في مقابله فهو رشوة محرمة، لعموم ما مر، ولقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ٧٩}[البقرة] فجعل معاقباً على كسبه من الفعل المحرم.
(١) كالتولية، تمت مؤلف