تفسير قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين 43}
  استعمال أهل الشرع، فعادت حقائق عرفية(١) خاصة، لا بنقل الشارع، ولا نزاع في أنها بعد الغلبة والاشتهار حقائق بحسب عرف أهل الشرع؛ ولهذا لم تفتقر إلى قرينة.
  قيل: المعلوم أن الشارع أطلق هذه الألفاظ على هذه المعاني وخصها بها، ولم يعهد لها اسمًا قبلها خاصة، ولا معرفة لأهل اللغة بهذه المسميات قطعا، وأنه قصد تعريف المكلفين بهذه المعاني، ولم يكن إلا بهذه الألفاظ، وهي مجردة عن لازم المجاز الذي هو القرينة قطعًا، وإلا لنقلت، وذلك حقيقة(٢) وضع الحقائق، كما هو معلوم عند أهل اللغة: وإن لم نقل فيما هذه حاله إنه حقيقة كان كلما وضع من الأسماء المعنى من المعاني مجازًا؛ لأنه إذا كان إطلاق لفظ الصلاة على العبادة المخصوصة مجازًا مع أنه لم يعهد لها اسم قبله - فيصح أن يقال: إن لفظ أسد لم يرد به الحيوان المخصوص عند ابتداء وضعه إلا مجازًا، وهذا لا قائل به.
  احتج النافون بأن الشارع لو نقلها إلى غير معانيها اللغوية لأفهمها المكلف؛ لأن الفهم شرط التكليف، ولو أفهمها إياه لنقل إلينا؛ لأنا مكلفون مثلهم، ولو نقل فإما بالتواتر فلا يوجد، أو بالآحاد فلا يفيد القطع.
  والجواب: أنها فهمت لهم ولنا بالقرائن والترديد كالأطفال يعلمون اللغات من دون تصريح لهم بوضع الألفاظ للمعاني لامتناعه بالنسبة إلى من لا يعرف شيئًا من الألفاظ.
(١) أي في عرف أهل الشرع. تمت. مؤلف.
(٢) أي ابتداء تسمية شيء باسم خاص له قبل أن يسمى باسم أصلًا، تمت مؤلف.