تفسير قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين 43}
  احتج الجمهور أولًا: أن حكم ما فعل بعد الوقت حكم ما فعل قبله، فكما لا يجب قبله إلا بدليل كذلك ما بعده، وتلخيص ذلك أن الشرائع مصالح، ولا يمنع أن يعلم الله المصلحة في فعلها في وقت بعينه دون ما قبله وما بعده.
  ثانيًا: أن المعلق بالوقت كالمعلق بالمكان، ولو قال لعبده: اضرب من في الدار لم يقتض ضرب من خارجها.
  ثالثًا: أن المقيد بالوقت كالمقيد بالشرط والصفة، والذي يدل على ذلك أن القربة كما تتعلق بإيقاع المأمور به على الصفة والشرط فإنها تتعلق بإيقاعه في ذلك الوقت، ولذلك وردت العبادات مختصة بأوقات، وجاء في خبر التبكير إلى الجمعة: من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الساعة الثانية فكأنما، قرب بقرة ... الخبر، ولو كانت القربة حاصلة قبل الوقت أو بعده كحصولها فيه لم يكن للتوقيت فائدة، وكان عبثًا؛ لأن غيره يسد مسده في المصلحة، وإذا ثبت أن المقيد بالوقت كالمقيد بشرط أو صفة، فالمعلوم أن الأمر المقيد بهما لا يقتضي وجوب المأمور به مع عدمهما، ألا ترى أن من قال: أكرم زيدًا إن دخل الدار، أو أكرم الرجال الطوال فإنه لا يجب عليه بهذا الأمر إكرامه وإن لم يدخلها، ولا إكرام القصار.
  فإن قيل: أليس المكلف مأمورًا بالحج بشرط الاستطاعة، ومع ذلك لو فعل الحج مع عدمها تعلقت به القربة، وأجزأ عن فرضه.