المسألة الخامسة: [وجوب صلاة الجماعة]
  عن الصلاة؛ لأنه من جملة أركانها، فكأنه قال صلوا مع المصلين، والصلاة يعبر عنها بأركانها، كما سميت سجودًا، وقرآنًا وتسبيحًا، وعلى هذا فلا بد لقوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ٤٣} من فائدة غير فائدة الأمر بإقامتها، إذ الأمر بالإقامة قد وقع في أول الآية، وليست تلك الفائدة إلا إيقاعها في الجماعة، و {مَعَ} تفيد ذلك. لأنها تقتضي المعية والجمعية، والمعلوم أن الركوع مع الراكعين لا يكون إلا في حال مشاركتهم في الركوع، فتكون إقامة الصلاة في الجماعة واجبة للأمر بها في قوله: {وَارْكَعُوا}، وقد تقرر أن الأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلًا إلا إذا أتى به على تلك الصفة والحال.
  فإن قيل: لو دل على الوجوب هنا لدل عليه في حق مريم & فإن الله قد أمرها بمثله فقال: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ٤٣}[آل عمران] والمعلوم أن المرأة لا يجب عليها إقامة الصلاة في جماعة اتفاقًا.
  قيل: يجوز أن يكون الوجوب خاصًا بمريم & دون غيرها من النساء، ولا محذور في ذلك فإن الله قد خصها بخصائص كالتطهر. والاصطفاء على نساء العالمين، ويجوز أن يكون الأمر في حقها للندب، والقرينة الصارفة الإجماع المذكور.
  فإن قيل: الأمر بالركوع مع الراكعين لا يدل على وجوب فعله معهم حال ركوعهم، بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا، كقوله تعالى: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ١١٩}[التوبة]، إذ المعية تقتضي المشاركة في الفعل، ولا يّستلزم المقارنة فيه.