المسألة الثالثة: [ليس للعاصي أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر]
  إلى قولهم ما لا يفعلون، لا إلى تركهم الفعل فقط، فتكون الآية صريحة في منع هذا القول أعني الوعد بالطاعة والأمر بها مع ارتكاب الأمر المعصية، ويؤيد ذلك الدليل العقلي.
  وبيانه من وجوه: أحدها: إطباق العقلاء على ذم من يأمر بالبر ويتركه، واستهزاؤهم به وسخريتهم منه، وعدم قبولهم منه، ورد قوله عليه، فيقولون: ابدأ بنفسك، علم نفسك، خلص نفسك، ونحو ذلك من العبارات التي تؤدي هذا المعنى، وهذا معلوم قديمًا وحديثًا، لا ينكره إلا مكابر. ولم يخصوا الذم والإنكار بتركه فعل البر وارتكابه للمعصية التي نهى عنها، بل الظاهر أن ذمهم على نفس ما فعله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر، وقد حذروا من ذلك ونهوا عنه في كلامهم نثرًا ونظمًا.
  قال أبو الأسود الدؤلي، وكان من أصحاب أمير المؤمنين #:
  لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
  وابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإن انتهت عنه فأنت حكيم
  فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليم
  وقال الجماز، وهو ابن أخت سلم بن عمرو الحاسر:
  ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهد الناس ولا يزهد
  لو كان في تزهيده صادقًا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
  إن رفض الدنيا فما باله ... يستمنح الناس ويسترفد
  والرزق مقسوم على ما ترى ... يناله الأبيض والأسود