مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون 44}

صفحة 3532 - الجزء 6

  الوجه الرابع: أن وعظه ربما صار سببًا للقبيح من غيره؛ لأنه قد يقول قائل من الناس: لولا أنه يعلم أنه لا أصل لهذه التخويفات لما أقدم على المعصية، والتسبب للقبيح قبيح.

  الوجه الخامس: أنه يعود على غرضه بالنقض، وبيانه أن الواعظ لا بد وأن يكون مجتهدًا في تأثير مواعظه في الغير. وارتكابه المعصية ينافي ذلك الغرض لما مر من أن الناس ينفرون عن قبول مواعظه.

  الوجه السادس: أنه إذا كان الغرض إرشاد الغير وتحذيره من الفساد كان تقديم الإحسان إلى النفس لتعليمها المحاسن وتهذيبها عن المساوي هو الواجب، وذلك معلوم عقلًا ونقلًا؛ ولهذا قال أمير المؤمنين #: (ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم) رواه في النهج.

  وأفعل التفضيل هنا ليس على بابه، لما سيأتي عنه # من ذم من أمر ولم يأتمر، ونهى ولم ينته، والنهي عن فعل ذلك.

  قال الرازي: فمن وعظ ولم يتعظ فكأنه أتى بفعل متناقض لا يقبله العقل؛ فلهذا قال: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ ٤٤}⁣[البقرة].

  واعلم أن هذا القول مروي عن جماعة من السلف وغيرهم، وهو الظاهر من كلام أمير المؤمنين #، ومن كلامه في ذلك قوله #: (وانهوا غيركم عن المنكر وتناهوا عنه. فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي)، وقال # لرجل سأله أن يعظه: (لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجي التوبة لطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين،