تفسير قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون 44}
  أي نهيه والحال هذ؛ لأن التكليف به مشروط بعدم استلزامه القبيح، وهذا مستلزم للقبيح؛ لما مر(١)، وقد تقدم ما يؤيد هذا في السادسة من مسائل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ...}[البقرة: ٦] الآية، قوله الذم في الآية مترتب ... إلخ ممنوع؛ لأنه خلاف الظاهر:
  سلمنا، فيجب العدول عنه، لما مر عقلًا ونقلا. وأما منع حديث القبح فقال النيسابوري: الحق أنه مكابرة، وذكر حديث أنس: مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم الخبر، وحديث ذم من لم ينتفع بعلمه؛ وقد مر ذلك، ولعله أراد أن منع دلالته على المقصود مكابرة؛ لظهوره في ذلك، سيما حديث أنس لأنه جعل العقوبة المنصوص عليها في العضو الذي يقع به الأمر والنهي. وهو الشفة، فكان كالتصريح بأن عقوبتهم كانت على أمرهم الناس بما لا يفعلون، ويؤكده قوله في أخره: «كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم» فإنه رتب استحقاقهم لذلك العقاب على ذلك الأمر، ومثل هذا الترتيب يشعر بالعلية. أي أن سبب عقابهم هو أمرهم بما لا يفعلون، ويحتمل أنه أراد أن منع صحته مكابرة؛ لأنه صحيح عنده، وقد مر تخريجه. فإن قيل: هذا القول يؤدي إلى أن لا يحسن أمر بمعروف ولا نهي عن منكر؛ إذ لا يخلو أحد عن إخلال بمعروف أو ارتكاب منكر، وهذا لا يقول به أحد، وإنما هي دسيسة شيطانية. كما قالالحسن في جوابه على مطرف والشعبي.
  وفي (سلوة العارفين): أخبرني أبو علي، قال: أخبرنا أبو بكر،
(١) من الدليل العقلي وتقرير السمع له. تمت. مؤلف.