تفسير قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون 44}
  قال: أخبرنا مكحول، أخبرنا حمدان بن ذي النون حدثنا مكي بن إبراهيم عن طلحة بن عمر، عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول الله إن لم نأمر بالمعروف وننه عن المنكر. حتى لا يبقى شيء من المعروف إلا عملنا به ولا من المنكر إلا انتهينا عنه إذًا لا نأمر بالمعروف ولا ننه عن المنكر، فقال رسول الله ÷: «مروا بالمعروف وإن لم تعملوا، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله» وهذا نص يبطل ما ذهبتم إليه.
  وأخرج الطبراني في الصغير، عن أنس، عن النبي ÷: «مروا بالمعروف وإن لم تفعلوه، وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله».
  قيل: إنما يلزم ذلك لو قيل بأنه يجب في الآمر الناهي أن يكون فاعلًا لكل معروف ولو مندوبًا، تاركًا لكل معصية ولو صغيرة؛ ولا نعلم قائلًا بذلك؛ إذ لا يخلو من الإخلال ببعض المندوبات وارتكاب بعض الصغائر حتى الأنبياء $، والمعلوم أنهم لم يتركوا الأمر والنهي لذلك، وكذلك من بعدهم من أئمة العترة وغيرهم، وإنما الكلام في مرتكب الكبيرة(١)؛ إذ هو الذي تنفر عن قبول وعظه القلوب، ويسارع العقلاء إلى مقته، وعلى الجملة، إن الدليل العقلي لا يصدق إلا عليه، وكذلك الأدلة الشرعية لا يجوز حملها على الظاهر الصادق على مرتكب الصغائر، للدليل العقلي، ولما عرفت من فعل الأنبياء وأئمة الهدى وسائر العلماء؛ وجواب الحسن على مطرف
(١) سواء كانت إخلالًا بواجب أو فعل محظور. تمت. مؤلف.