تفسير قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 45 الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون 46}
  فمن أوذي بفعل أو قول أو جني عليه في نفسه أوله استحب له الصبر على ذلك بترك المكافأة؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ١٢٦}[النحل].
  وقال علي #: (إنما هو سب بسب، أو عفو عن ذنب) رواه في النهج. وهذا النوع من أعلى مراتب الصبر المندوب؛ لكثرة ما جاء في الكتاب والسنة من الأمر به والحث عليه، بل لو قيل: إن أكثر ما جاء في الصبر إنما هو في هذا النوع لم يبعد؛ قال تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ١٨٦}[آل عمران]، فبالغ تعالى في الحث عليه، حتى سماه عزيمة، أي فريضة، ولم يرد سبحانه حقيقتها؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ...} الآية [النحل: ١٢٦]، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، وقوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ٤١} الآية [الشورى: ٤١]، ونحو ذلك كثير، وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ١٠}[المزمل] وقال تعالى حاكيًا: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ١٢}[إبراهيم].
  وأخرج الشيخان من حديث ابن مسعود أن رسول الله ÷ قسم مالًا، فقال بعض الأعراب من المسلمين: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فأخبر به رسول الله ÷ فاحمرت وجنتاه، ثم قال: «يرحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر».
  وعن بعض الصحابة أنه قال: ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانًا إذا لم يصبر على الأذى، وقد قيل: إن الصبر على أذى الخلق قد يكون