مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3694 - الجزء 6

  قيل: المجاز باب عظيم تتخرج عليه كثير من آيات القرآن الكريم، وعليه أهل اللغة، بل استعمالهم إياه أكثر من استعمالهم للحقيقة: لما فيه من البلاغة، فلو منع هذه الأخبار لما ذكرتم لمنع في الكتاب وسائر الأخبار النبوية والآثار العلوية، ثم إن الذي عليه النظار من المتكلمين وأهل المعاني أن القرينة إذا كانت معلومة عند المتكلم والسامع حسنت المبالغة في التجوز من دون تنصيص عليها، بل ظاهر كلام بعضهم أن ظن القرينة كاف في حسنه؛ والحكمة في إيراد مثل هذا في السنة هي الحكمة في إيراد المتشابه في التنزيل، وهذا نوع من المتشابه، والكتاب والسنة أخوان.

  فإن قيل: ما الفائدة في تخصيص التائبين من الكبائر بالذكر على مقتضى تأويلكم؟ والشفاعة عندكم لكل مؤمن، سواء كان قد تلبس بكبيرة ثم تاب منها، أم لم يتلبس بها أصلًا.

  قيل: الفائدة دفع توهم سقوط دفع حظهم من الشفاعة لارتكابهم الكبائر، والتنبيه على أنهم أحوج إليها، من حيث أنهم قد صاروا في عداد الفقراء ليس لهم إلا ثواب التوبة. فهذا تحقيق مسألة الشفاعة وما يتعلق بها من الخلاف والاستدلال، وقد جمعنا في بعض هذه الأوراق ما تفرق في مواضع من كتب المؤلف والمخالف، وأتينا من أدلة الفريقين بما به يظهر للناظر المنصف الحق في المسألة؛ ونسأل الله أن يعصمنا من الزيغ والزلل، وأن يوفقنا إلى معرفة الحق على الوجه الأكمل.